شرح قصيدة البحث عن اليقين للشاعر عمرو بن كلثوم

 

بسم الله الرحمان الرحيم      

                 شرح قصيدة: البحث عن اليقين

عمرو بن كلثوم هو سيد بني تغلب في الجاهلية وممثلها في الصلح الذي عقده ملك الحيرة عمرو بن هند بين قوم الشاعر وبني بكر وحكم فيه للحارث بن حلزة زعيم بني بكر. ولم يكتف بهذا بل أراد إهانة شاعرنا بأن أوعز إلى أمه هند أن تدعو أم الشاعر وتتعمد إذلالها، وذلك ردا على ما أبداه بن كلثوم في مؤتمر الصلح المذكور من عنجهية ومغالاة في التفاخر بقبيلته، إذ يقولون إن أم الملك طلبت من أم الشاعر أن تناولها طبقا من الطعام، فصاحت هذه تستنجذ بابنها، الذي قام من فوره، وكان جالسا مع الملك في رواقه، فتناول سيفا معلقا في الحائط وقتله انتقاما لما أراده من إهانة أمه.

والأبيات التي معنا الآن أبيات مختارة من معلقة ابن كلثوم، التي تتجاوز المائة بيت والتي تدور كلها، بعد مقدمة تستغرق اثنين وعشرين بيتا، حول الفخر بقومه فخرا عارما مجلجلا، ويساعد هذه الجلجلة القافية النونية المطلقة التي تحدث ما يشبه الدوي.

وتبدأ القصيدة بمقدمة خمرية غزلية، يطلب الشاعر في بدايتها من الساقية أن تهب بقدحها فتدور عليهم تسقيهم في بُكرة الصباح خمور الأندرين، وهي بلدة من بلاد الشام كانت مشهورة بصنع الخمر الجيدة المعتقة.

   وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا

 أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا

 

 

وتبدأ القصيدة بمقدمة خمرية غزلية، يطلب الشاعر في بدايتها من الساقية أن تهب بقدحها فتدور عليهم تسقيهم في بُكرة الصباح خمور الأندرين، وهي بلدة من بلاد الشام كانت مشهورة بصنع الخمر الجيدة المعتقة.

                        قِفِي   قَبْلَ   التَّفَرُّقِ   يَا    ظَعِينَا        نُخَبِّرْكِ   الْيَقِيـنَ  وَتُخْبِرِينَـا

                     قِفِي نَسْأَلْكِ هَلْ  أَحْدَثْتِ  صَرْمَاً          لِوَشْكِ البَيْنِ  أَمْ خُنْتِ  الأَمِينَا

 

يقول: قفي مطيّتك أيتها الحبيبة الظاعنة(المرأة في الهودج) نخبرك بما قاسينا بعدك، وتخبرينا بما لاقيت بعدنا.

قفي مطيتك نسألك هل دعتك سرعة الفراق إلى القطيعة أو إلى خيانة من لا يخون مودتك؟

 

                     بِيَوْمِ    كَرِيهَةٍ    ضَرْبَاً    وَطَعْنَاً       أَقَرَّ  بِـهِ  مَوَالِيـكِ  العُيُونَـا

 

نخبرك بيوم حرب كثير فيه الضرب والطعن، فأقر بنو أعمامك عيونهم (قولهم: أقر الله عينك، قال الأصمعي: معناه أبرد الله دمعك، أي سرك غاية السرور) في ذلك اليوم، أي فازوا ببغيتهم، وظفروا بمُناهم من قهر الأعدء.

 

                     وَإِنَّ  غَدَاً  وَإِنَّ  اليَـوْمَ  رَهْـــنٌ         وَبَعْدَ  غَدٍ  بِمَا   لاَ   تَعْلَمِينَـا

 

يقول: فإن الأيام رهن بما لايحيط علمك به من الحوادث.

 

                    أَبَا   هِنْدٍ   فَلاَ    تَعْجَلْ    عَلَيْنَا          وَأَنْظِرْنَا   نُخَبِّـرْكَ    اليَقِينَـا

 

يعني بذلك "عمرو بن هند بن المنذر ملك الحيرة". يقول: تمهل فإنه سيأتيك اليقين من أمرنا.

 

                    بِأَنَّا  نُوْرِدُ   الرَّايَـاتِ   بِيضَـاً            وَنُصْدِرُهُنَّ  حُمْرَاً  قَدْ   رَوِينَا

 

إيراد الرايات بيضا كناية عن إقبال قوم الشاعر على المعركة قبل أن يحدث قتال بينهم  وبين أعدائهم، ومن  ثم كانت الرايات لا تزال بيضاء لم يلوثها غبار المعركة ولا ضرجتها الدماء المسالة فيها. أما إصدار الرايات حمرا فكناية عن انتصارهم على أعدائهم وإسالة دمائهم حتى تضرجت الرايات باللون الأحمر.

 

                    وَأَيَّـامٍ  لَنَـا   غُـرٍّ   طِـوَالٍ                عَصَيْنَا  المَلْكَ  فِيهَا  أَنْ   نَدِينَا

                    وَسَيِّدِ  مَعْشَرٍ   قَـدْ   تَوَّجُـوهُ             بِتَاجِ  المُلْكِ  يَحْمِي  المُحْجَرِينَا

                    تَرَكْنَا   الْخَيْلَ   عَاكِفَةً   عَلَيْـهِ           مُقَلَّـدَةً   أَعِنَّـتَهَا   صُفُونَـا

 

في هذه الأبيات يتحدث الشاعر عن قتلهم الملوك ذوي البطش والمنعة، هؤلاء الملوك الذين سودتهم عشائرهم عليها ووضعت التيجان على رؤوسهم لحمايتهم، عجزوا عن حماية أنفسهم، فقد قتلهم الشاعر وقومه، وتركوا خيولهم مستعدة لمواصلة القتال، إذ كانت لا تزال ملجمة وكانت قائمة على ثلاث أرجل، ثانية رجلها الرابعة فعل الأحصنة في حالة نشاطها وانتشائها بنفسها.

 

                   وَأَنْزَلْنَا   البُيُوتَ   بِذِي   طُلُوحٍ          إِلَى  الشَامَاتِ  تَنْفِي  المُوعِدِينَا

                   وَقَدْ  هَرَّتْ  كِلاَبُ   الحَيِّ   مِنَّا           وَشَذَّبْنَا   قَتَادَةَ   مَنْ    يَلِيـنَا

 

يقول: وأنزلنا بيوتنا  بمكان يعرف بذي طلوح إلى الشامات ننفي من هذه الأماكن  أعداءنا الذين كانوا يوعدوننا.

ثم يقول: وقد لبسنا الأسلحة حتى أنكرتنا الكلاب وهرت لإنكارها إيانا، وقد كسرنا شوكة من يقرب منا من أعدائنا.

 

                    مَتَى  نَنْقُلْ  إِلَى   قَوْمٍ   رَحَانَـا           يَكُونُوا  فِي  اللِّقَاءِ  لَهَا  طَحِينَا

                   يَكُونُ  ثِفَالُهَا  شَرْقِـيَّ  نَجْـدٍ              وَلُهْوَتُهَا   قُضَاعَـةَ   أَجْمَعِينَا

 

هذه الصورة البديعة، صورة الرحي الضخمة التي تبلغ من هول ضخامتها أن تشغل شرقي نجد، وأن تكون قبيلة قضاعة جمعاء مجرد قبضة من حب توضع في فتحة الرحى العليا فتنزل طحينا على ثفالها، وهوقطعة القماش أو الجلد التي توضع تحتها لتلقّي الدقيق.

 

                   نَزَلْتُمْ  مَنْزِلَ  الأَضْيَـافِ  مِنَّـا             فَأَعْجَلْنَا  الْقِرَى   أَنْ   تَشْتِمُونَا

                   قَرَيْنَاكُـمْ   فَعَجَّلْنَـا  قِرَاكُـمْ                 قُبَيْلَ   الصُّبْحِ   مِرْدَاةً   طَحُونَا

 

يقول: تعرضتم لمعاداتنا كما يتعرض الضيف للقرى(إكرام الضيف) فقتلناكم عجالا كما يُحمد تعجيل قرى الضيف، ثم قال متهكما ومستهزئا بهم: أن تشتمونا، أي قريناكم على عجلة كراهية شتمكم لنا إن أخرنا قراكم. مرداة: صخرة تملأ الكف. شبه الكتيبة بها، والطحون التي وقعت على الشيء فطحنته.

 

                   نَعُمُّ   أُنَاسَنَا   وَنَعِـفُّ    عَنْهُمْ           وَنَحْمِلُ   عَنْهُمُ   مَا    حَمَّلُونَا

                   نُطَاعِنُ  مَا  تَرَاخَى   النَّاسُ   عَنَّا      وَنَضْرِبُ بِالسِّيُوفِ  إِذَا  غُشِينَا

 

نَعمُّ عشائرنا بنوالنا وسيبنا، ونعف عنهم ونحمل عنهم ما حملونا من أثقال حقوقهم ومؤنتهم.

وإذا دخلنا الحرب أعملنا الرماح إذا بعدوا عنا، وضربنا بالسيوف إذا قربوا.

 

                  وَرِثْنَا  المَجْدَ  قَدْ عَلِمَتْ  مَعَـدٌّ            نُطَاعِنُ  دُونَـهُ   حَتَّى    يَبِينَا

 

ورثنا شرف آبائنا قد علمت ذلك معدٌّ، ونضرب العدو دونه حتى يظهر الشرف لنا.

 

                  وَنَحْنُ  إِذَا  عِمَادُ  الحَيِّ   خَرَّتْ          عَنِ الأَحْفَاضِ  نَمْنَعُ  مَنْ  يَلِينَا

 

يقول : ونحن إذا قوضت الخيام فخرت على أمتعتها ، نمنع ونحمي من يقرب منا من جيراننا.

 

                  أَلاَ  لاَ   يَعْلَمُ   الأَقْـوَامُ   أَنَّـا               تَضَعْضَعْنَا  وَأَنَّـا  قَدْ   وَنِينَـا

 

لا علم للأقوام بضعف قد يصيبنا أو انكسار أو فتور لأنها ليست من صفاتنا.

 

                  أَلاَ   لاَ   يَجْهَلَنْ  أَحَـدٌ   عَلَيْنَا             فَنَجْهَلَ  فَوْقَ  جَهْلِ   الجَاهِلِينَا

 

لا يسفهن أحد علينا فنعاقبه بما هو فوق سفهه وأعظم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

درس: كيفية الرحيل وضروب الأهبة وكيفية النزول

درس: حكاية السندباد في وادي الحيات

ذريني ونفسي شرح قصيدة للشاعر عروة بن الورد (الجزء الأول)