ذريني ونفسي شرح قصيدة للشاعر عروة بن الورد (الجزء الأول)


شرح القصيدة:

تعرض هذه القصيدة حورًا دار بين الشاعر عروة وزوجه سَلمى عندما لامته لأنّه يُعرِّض نفسه للموت في تلك الغزوات التي يقوم بها من أجل إطعام الفقراء، فجاء هذا الحوار بينهما ليبين وجهة نظر كلٍّ منهما في الأمر، فيبدأ عروة الحوار بأمره زوجته بأن تنام هادئةَ البال، وتخفف من لومها له، فنفسه التي تخاف عليها الهلاك هي من تحثُّه على غزواته، فهو يريد أن يكون له ذكرٌ وشأنٌ قبل أن يموت، فذلك ما يبقى للإنسان بعد فناء جسده، وكأنه بدأ يتخيل الموت في إحدى غزواته فيخرج من رأسه -كما تقول الأساطير العربيّة- طير يصيح: اسقوني اسقوني، ويشتكي ظمأه لمن يعرف ومن لا يعرف من الناس، ويتابع ألا مناص من تضحية الإنسان بنفسه، ليخلد ذكره بعد موته، وهو ما قاله في هذه الأبيات الشعرية:

             أقلي علي اللوم يا ابنة منـــــذر           ونامي، فإن لم تشتهي النوم فاسهري

             ذريني ونفسي أم حسان إننــي            بها قبل أن لاأملك البيع مشتـــــــري

             أحاديث تبقى والفتى غير خاـد           إذا هو أمسى هامة تحت صبـــــــر

            تجاوب أحجار الكناس وتشتكي           إلى كل معروف تراه ومنكــــــــــر

في المقطع الشعري السابق الأول يتحدث عروةُ بن الورد عن أهمّ الأسباب التي تدفَعُه إلى الغزوِ ومواجهة الموت، وهو طلبُه الخلودَ عبر بقاء ذكره بعد موته، أما في المقطع الذي يليه فالشاعر يوضح لزوجته سببا آخر يدفعه ليُغامِر بحياته وهو مرتبط بها، فمن أجلها، ومِن أجل أن تعيش حياةً كريمة، يشق طريقه نحو الغزو والمخاطرة بحياته في غزواته فهو: إما أن يموت فتستطيع أن تتزوَّج مِن بعده، وإما أن يعيش فيعود بالمال الذي يحفظ لها كرامتها ويُغْنيها عن أن تكون في موضع تمدُّ فيه يديها بالسؤال، وهو يُوضح لها هذا المعنى في صورة واقعية؛ ليجعلها تتخيَّل الذل الذي يوقع فيه الاحتياج للآخرين، وهو في بيتين آخرين يبين لزوجته أنه والموت يقترعانِ، فإن فاز الموت فهو غير جازعٍ؛ لأنه على يقين أنه لا يمكن تأخير ميعادِه، وإن فاز هو ورجع غانمًا، فإنه سيَحمِيهم من الضيم والنزول لاجئين خلف أدبار البيوت، بعد أن كانوا أعزةً في بيوتهم.

          ذريني أطوف في البلاد لعلنــي           أخليك أو أغنيك عن سوء محضــر

          فإن فاز سهم للمنية لم أكــــــــن           جزوعا، وهل عن ذاك من متأخّــر

         وإن فاز سهمي كفكم عن مقاعـد           لكم خلف أدبار البيوت ومنظـــــــر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

درس: كيفية الرحيل وضروب الأهبة وكيفية النزول

درس: حكاية السندباد في وادي الحيات